الجيران الجدد

الجيران الجدد

 

معاريف

ألون بن دافيد   8/9/2017

من  الصعب التفكير بموعد رمزي ومشحون أكثر لهذا الهجوم على المنشأة السرية، والذي تعزوه التقارير من هناك لإسرائيل – في ذروة المناورة العسكرية الكبيرة في الشمال، بعد لحظة من قيام الأسد بما لا يصدق واعادة احتلاله لاجزاء مما كان سورية، وبعد عشر سنوات ويوم من الهجوم الذي دمر مفاعله النووي في دير الزور.

في حينه، قبل عشر سنوات، كانت سورية دولة مع جيش يعتبر التهديد الاكبر على إسرائيل. وكان قائد سلاح الجو عميكام نوركين في حينه رئيس شعبة العمليات في السلاح. وكان رئيس قيادة سلاح الجو تومر بار قائد سرب راعم – اف 15 آي. قبل ساعات من الهجوم المنسوب كان عرس سكرتيرة رئيس الاركان في حينه غابي اشكنازي.

كان التخوف في حينه من رد سوري جسيم وحقيقي. ولكن الأسد تجلد وتلقى الضربة التي وضعت حدا، حتى الآن على الاقل، لتطلعاته النووية. اما اليوم فلم يتبقَ الكثير من جيشه، ولكن بدلا من ذلك لنا جيران جدد في ما كانت ذات مرة سورية: روس، إيرانيون ولبنانيون.

ما يجعل الهجوم المنسوب لإسرائيل مهما هو حقيقة انه حسب التقارير السورية لم يكن هذا هجوما على إرسالية سلاح بل تدمير لمنشأة تعود لنظام الأسد. اذا كانت إسرائيل بالفعل تقف خلف هذا الهجوم فإنها رسمت بالقوة خطا أحمر جديدا، بموجبه لن تسمح بإنتاج الصواريخ الدقيقة المخصصة لحزب الله على الأراضي السورية.

واضح أن التواجد الروسي في سورية يقلص حرية العمل الإسرائيلية هناك. ولكن له جانب ايجابي أيضا: موسكو هي جهة لاجمة ومثبتة للاستقرار، غير معنية بمبادرات تؤدي إلى مواجهة مع إسرائيل. ونفوذ الكرملين على الأسد مطلق – فهو لن يفعل شيئا دون اقرار من النظام الروسي. حزب الله وايران لن يطلبا الاذن المسبق من موسكو على اعمال يخططان لها ولكنهما سيحذران من مغبة المس بمصلحة فلاديمير بوتين.

في إطار اعداد مسلسل “يبث الاسبوع القادم في القناة 10” قضيت شهرا في موسكو في محاولة لفهم المصلحة الروسية في منطقتنا. في نظرهم، ايران هي شريك هام ومصدر للاستقرار في المنطقة. هم يفهمون القلق الإسرائيلي ولكنهم لا يتماثلون معه. ورغم ذلك، لديهم احترام شديد لإسرائيل وصفر مصلحة في الاحتكاك معها. بالتأكيد ليس الان، إذ سجلوا انجازا هاما جدا في سورية.

عندما نشبت الحرب في سورية، كان هناك من شرح لنا بان ايام الأسد معدودة. بعد ذلك قالوا لنا ان سورية هي عجة لا يمكن ان يعاد تركيب البيض منها. وها هي، البيضة السورية آخذة في الاستقرار امام ناظرينا. فاستنادا إلى حراب بضعة الاف جنود روس وبضع عشرات الطائرات، نجح الأسد في أن يستعيد السيطرة في اجزاء واسعة مما كان ذات مرة سورية.

لا يزال هناك جدال في من هو الذي أوجد القول الدقيق في أنه “يمكن عمل كل شيء بالحراب باستثناء الجلوس عليها”. فقد جلس الأسد على الحراب الروسية، الايرانية واللبنانية، وفي هذه الاثناء يبدو أن هذا مريح له. بوتين وقاسم سليماني فعلا ما لا يصدق وضمنا حكم الأسد في ظل فرضهما الهدوء في معظم مناطق القتال. سورية لن تعود لما كانت عليه والأسد سيواصل الاحتكاك بالثوار حتى آخر ايامه ولكن انجاز روسيا – ايران – حزب الله مثير للانطباع ومقلق.

فيلق لبنان في الجيش الإسرائيلي تدرب هذا الاسبوع على حرب لبنان الثالثة – تسللات برية من حزب الله، نار صاروخية ثقيلة على الجبهة الإسرائيلية  الداخلية ومناورة متعددة الفرق في داخل لبنان. 19 سنة منذ أُجريت مناورة الفيلق الاخيرة ينشأ مرة اخرى السؤال عن ضرورة القيادة الفرقية العليا. في جيش يكون فيه رئيس الاركان هو قائد الجيش البري ومن تحته قيادات لوائية، هل ثمة حاجة لوجود قيادة بين القيادة اللوائية وبين الفرق المناورة؟ رغم أن احتمال الحرب مع حزب الله يبدو متدنيا، يأخذ الجيش الإسرائيلي على محمل الجد التهديد الشمالي وخير أن هكذا. هذه مهمته.

وهو يفهم بان هذه الحرب ستدار تحت نار صاروخية كثيفة ودقيقة، تشوش سياقات تجنيد الاحتياط وتزعج الجبهة الداخلية. ولكن فكرة الجيش الإسرائيلي كجيش هجومي، مهمته ان ينقل بسرعة الحرب إلى ارض العدو، لا تأخذ بالحسبان أيضا بان حزب الله هو الاخر تبنى المبدأ الـ بن غوريوني وهو يعتزم ان ينقل الحرب إلى اراضينا. كان هذا بارزا جدا في “الجرف الصامد”. فالجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في أن يستوعب بان الحروب الجديدة تدار أيضا في اراضينا. فعلى مدى اسابيع من القتال كانت تنتشر القيادات والقوات بجوار حدود القطاع. وفقط بعد أن وقع لدينا 12 قتيلا في اراضينا كنتيجة للتسلل عبر الانفاق و 11 آخرون بنار راجمات الهاون على القوات في الجبهة الداخلية، فهموا في الجيش الإسرائيلي بان من المجدي لهم أن يبعدوا عن هناك القيادات والقوات القريبة من الحدود.

ضاعفوا هذا بمئة، وهذا ما ينتظرنا في حرب لبنان الثالثة. حزب الله يعرف اليوم كيف يحتل بلدة إسرائيلية في دقائق ويحتفظ بها على مدى ايام. وهو قادر على أن يدخل خلايا مضادة للدروع وقناصة عميقا في داخل الاراضي الإسرائيلية. وهو يمكن ان ينزل من البحر. وكل هذا سيفعله تحت نار شديدة يمطرها على خطوط التماس والجبهة الداخلية. مشكوك أن تكون وحدات الجيش الإسرائيلي قادرة عقليا على مهمة يطلب اليهم فيها تحرير بلدة إسرائيلية احتلها حزب الله وما يزال فيها تواجد لمواطنين إسرائيليين. معظم قادة الجيش الإسرائيلي غير جاهزين عقليا لإمكانية أن يقع في صفوفهم عشرات القتلى في كمين مضاد للدبابات فور خروجهم من مقر القيادة في الجليل.

ومع أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية محصنة الا انها ستواجه آلاف الصواريخ التي يستطيع حزب الله امطارها عليها. وسيكون من الصعب أكثر مواجهة البث الحي والمباشر والطويل عن بلدة احتلت وجنود كثيرين يقتلون في داخل الاراضي الإسرائيلية. ويمكن للشرخ العقلي ان يكون شديدا. وهكذا فاني اوصي كل قادة الجيش الإسرائيلي ان يقرأوا كتاب “بطل” لاريك تشارنياك الذي يصف كيف ستبدو هذه الحرب. ومع أن  الكتاب يميل إلى الرؤية الاخرى الا أنه منخرط في الواقع.

تتحدث الخطط العملياتية للجيش الإسرائيلي عن دفاع قوي لمواجهة حزب الله، في ظل إخلاء البلدات. ومن الدفاع ستنطلق الفرق للمناورة الهجومية في لبنان. ولكن الاحساس هو ان بعض قادة الجيش لا يؤمنون حقا بهذه المناورة. فهم ملزمون بفكرة الهجوم. ولكن عندما يستمع المرء إلى نبرتهم فإنهم يبدون كمن سيسرهم انتهاء المواجهة التالية مع حزب الله دون الدخول إلى لبنان. وهم يعرفون أن القيادة السياسية،  الحالية على الاقل، ستفضل الامتناع عن الثمن الباهظ الذي ستجبيه مناورة برية طويلة.

في الجيش الإسرائيلي فهموا منذ الآن ان لا احتمال في ان تكون المواجهة التالية في الشمال محدودة بجبهة لبنان فقط. ومع ذلك فإن المناورة التدريبية هي لفيلق لبنان. ينبغي أن نودع فكرة أن سورية ولبنان هما جبهتان منفصلتان. في كل مواجهة مستقبلية ستتصرفان كجبهة واحدة.

وإلى ذلك، فإن استقرار الأسد هو تطور مقلق. ليس واضحا بعد كم كان الكرملين منصتا لاستجداءات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إبعاد ايران عنا. ولكن الأسد، روسيا، حزب الله والايرانيين سيواصلون مرافقتنا كجيران في الارض السورية في المستقبل المنظور. هناك احتمال طفيف في أن تتحقق السيناريوهات المفصلة هنا، ولكننا ملزمون بان نعترف بقدراتهم. واذا كان الجيش الإسرائيلي يبحث بالفعل عن حسم حيال حزب الله – فإن هذا لن يتحقق فقط في هجوم كاسح، بل أيضا في دفاع ناجع.

  • Social Links:

Leave a Reply