الشرق الأوسط والدولة 2- 2

الشرق الأوسط والدولة 2- 2

محمد تومة ابو الياس

3- الشرق الأوسط أمام الحقيقة المرة، وهي تعيش بدون دولة، والأسئلة التي تبحث عن السبب:

نعم نحن شعوب الشرق الأوسط نعيش بدون دولة. تلك هي الحقيقة المرة. وهذه الحقيقة المرة تفرض علينا طرح الأسئلة التالية والتي تبحث عن الجواب:

1-         هل نحن شعوب الشرق الأوسط نعيش في ظل دولة؟

2-         فإذا كنا نعيش في ظل دولة. لماذا نحن متخلفون؟

3-         فإذا لم نُقِم دولة. ما هي الأسباب التي حالت دون قيامها؟

4-         وهل يمكن للمجتمعات البشرية أن تعيش بدون دولة بعد كل التطور التاريخي الذي حصل؟

وجواب على هذه الأسئلة يكون الآتي:

إن الشرق الأوسط لم تقم فيه دولة بالمعنى العصري للدولة لا في تركيا ولا في إيران ولا في الأقطار العربية. وتلك هي سبب تخلفنا الحضاري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والعلمي. وشعوبنا باتت تعيش خارج التاريخ الحضاري العالمي كيف ذلك؟ وما هي الأدلة على ذلك؟

4- تاريخ ظهور الدولة الحديثة في سياقها التاريخي:

لقد كانت دولة القرون الوسطى تسود في الشرق والغرب على السواء. وكان الغرب سباقاً في إعلان الحرب على هذه الدولة منذ ثلاثة قرون تقريباً، وبدأ يهدم هذه الدولة بوجودها الفلسفي والثقافي أولاً ومن ثم بوجودها السياسي المادي ثانياً.

وبدأت تظهر الدولة الحديثة بفلسفتها وثقافتها ووجودها المادي قطعة بعد قطعة على أنقاض الدولة القديمة.

لقد حدث زلزال عنيف هناك في الغرب. وكان الفضل في حدوث هذا الزلزال العظيم لقلم المثقفين الثوريين والفلاسفة والكتاب والشعراء والمؤرخين. وفتحوا المجال أمام ظهور نخبة سياسية جديدة ليقيموا الدولة الحديثة وفق ما طرحه الفلاسفة من ثقافة وفلسفة وسياسة جديدة.

وبنفس الوقت كان الشرق الأوسط غارقاً في نومٍ عميق يخيم عليه ظلام دولة القرون الوسطى – الإمبراطورية العثمانية… الجهل والتخلف والفقر والاستبداد يخيم بغيومه السوداء على سماء الشرق الأوسط.

ومع قيام الدولة الحديثة في الغرب انتقلت المجتمعات الغربية من إنتاج المجتمع الطبيعي إلى إنتاج المجتمع الصناعي، وقد رافقت قيام هذه الدولة ثورة علمية معرفية وكانت نتيجتها ابداع كل أدوات الإنتاج الحديث فظهرت معها ثورة صناعية. ورافقها إنتاج بضائع. وتطلب الوضع تصدير هذه البضائع المنتجة إلى أسواق لصرفها وإلى أوطان يُحصل منها على روح هذه الصناعة من المواد الأولية. ولما كان الشرق الأوسط سوقاً رائجاً لتصريف هذه البضائع وخزاناً هائلاً للحصول على المواد الخام. وتشكلت ظروف موضوعية في الغرب التي تتطلب إزالة الإمبراطورية العثمانية كدولة للقرون الوسطى من الوجود والتي أصبحت عائقاً أمام التقدم البشري، وتم هذا بالفعل بعد الحرب العالمية الأولى. وجاء الإنكليز والفرنسيون بكل آلاتهم الحربية الحديثة. وكان من الطبيعي ألا تستطيع الدولة العثمانية – دولة القرون الوسطى – أن تقاوم هذه الهجمة الغربية. وكان عليها أن تجابه مصيرها المحتوم وتناثرت إلى قطع وتم توزيع هذه القطع بين الإنكليز والفرنسيين. وسميت بتسميات مختلفة ( محميات – إمارات – انتداب ..الخ) وبعد الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية وتغيير التوازن الدولي وتشكل كتلتين إحداهما شرقية، سميت الاتحاد السوفيتي والثانية غربية سميت بالعالم الحر. وما بين الحربين ظهرت حركات تحرر وطنية من قبل الشعوب المستعمرة للخلاص من الاستعمار وبناء دولة مستقلة عصرية. وأخيراً وبعد صراع مرير تمكنت هذه الشعوب من الحصول على الاستقلال وهي تحلم بإنشاء دولة حديثة لتكون هذه الدولة عامل حل لكل القضايا المتراكمة التي ورثتها هذه الشعوب من العهد العثماني والعهد الاستعماري الغربي.

والحقيقة التي حلت على هذه الشعوب خلال قرن كامل أنها لم تقم ولا دولة حديثة في الشرق الأوسط ولا في الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج. وبقيت هذه الشعوب تعيش في حالة فوضى طوال قرن كامل.

وكل ما جرى هو قيام كيانات سلطوية سياسية لا أكثر، وهذه الكيانات السلطوية السياسية بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة الحديثة ومقوماتها لا فلسفياً ولا ثقافياً ولا مادياً. وتحولت هذه الأوطان إلى مزارع خاصة وشعوبها إلى قطعان من الغنم وسادت فيها شريعة الغاب طوال قرن كامل ولا زالت. ولكي نثبت كلامنا هذا في عدم قيام الدولة لا بد أن نبين للقارئ ما هي مقومات الدولة القديمة وما هي مقومات الدولة الحديثة. ولنترك الحكم للقارئ الكريم لاكتشاف الحقيقة.

  • Social Links:

Leave a Reply